حكم اشتراط تحمل الخسارة مناصفة بين الشريكين مع الاختلاف في قدر رأس المال

تاريخ الفتوى: 28 فبراير 2024 م
رقم الفتوى: 8310
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
حكم اشتراط تحمل الخسارة مناصفة بين الشريكين مع الاختلاف في قدر رأس المال

ما حكم اشتراط تحمل الخسارة مناصفة بين الشريكين مع الاختلاف في قدر رأس المال؟ فهناك رجلٌ يعمل تاجرًا للمواشي، فاتفق مع أحد أصدقائه من التجار على أن يدفع كلُّ واحد منهما مبلغًا معينًا من المال، فدفع الأول الثلث، ودفع الثاني الثلثين من قيمة المبلغ المتفق عليه، ثم إذا كانَا في السوق اشترى وباعَ كلاهما ما يراه مناسبًا أو مُربِحًا من المواشي بمشاوَرَة صاحبه، إلا أن صاحب الثلثين اشترط على الآخر أن تكون الخسارة بينهما مناصفة، فهل يجوز ذلك شرعًا؟

صورة الشركة المذكورة بين الرجلين محل السؤال جائزة شرعًا بالإجماع، إلا أنه لا يجوز فيها اشتراط تحمُّل الخسارة مناصفةً بين الشريكين؛ لأن الخسارة إنما تكون على قدر رأس المال المقدَّم مِن كلٍّ منهما، وهذا باتفاق أهل العلم، فإن صُحِّحَت المعاملة واتَّفَقَا على جَعْل الخسارة بينهما على قدر رأس المال صَحَّت الشركة، وإلا فلا.

المحتويات

 

بيان المراد بالشركة والأدلة على مشروعيتها

الشَّرِكَةُ: عقدٌ بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كلٌّ منهم في مشروع مالي، بتقديم حصة من مالٍ أو من عملٍ، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، كما عرفها القانون المدني المصري الصادر برقم (131) لسنة (1948م) في مادته (505).

ومن المقرر شرعًا أن الشركة جائزة في الجملة بإجماع العلماء سلفًا وخلفًا، جيلًا بعد جيلٍ، مِن غير نَكِيرٍ بين أحدٍ مِن المسلمين، وإنما وقع الخلاف في بعض أنواع الشركة وصُوَرها، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (5/ 3، ط. مكتبة القاهرة)، و"الاختيار لتعليل المختار" للإمام مجد الدين ابن مَوْدُود المَوْصِلِي (3/ 11-12، ط. مطبعة الحلبي).

والأصل في ذلك قولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء: الشركاء، كما قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (26/ 384، ط. دار إحياء التراث العربي)، نقلًا عن الإمام الزَّجَّاج.

وفي الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» أخرجه الأئمة: أبو داود -واللفظ له- والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، من حديث أَبِي هريرة رضي الله عنه.

حكم شركة العنان

من جملة أنواع الشركة ما يُعرف بـ"شركة العِنَان" -كما في مسألتنا-، وقد عبَّر عنها الفقهاء بعِدة تعريفات يمكن أن تُجْمَلَ في أن شركة العِنَان هي أن يَشترك الرجلان برأسِ مالٍ يُحضره كلُّ واحدٍ منهما، بعد خلطه بحيث لا يتميز عن غيره، إما عند العقد أو عند الشراء، ثم يَتَّجِرَا به معًا مِن غير استبدادِ أحدِهما به دون الآخَر، ثم يكون الربح والخسارة بينهما. ينظر: "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (11/ 152، ط. دار المعرفة)، و"القوانين الفقهية" للإمام ابن جُزَي المالكي (ص: 474، ط. دار ابن حزم)، و"الحاوي الكبير" للإمام المَاوَرْدِي الشافعي (6/ 473، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإقناع" للإمام شرف الدين أبي النَّجَا الحِجَّاوِي الحنبلي (2/ 252، ط. دار المعرفة).

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ شركةَ العِنَان جائزةٌ بالإجماع -على تفصيل بينهم في شروطها-.

قال الإمام علاء الدين الكَاسَاني في "بدائع الصنائع" (6/ 58، ط. دار الكتب العلمية): [فأما العِنَان فجائز بإجماع فقهاء الأمصار، ولِتَعَامُلِ الناس ذلك في كلِّ عصرٍ مِن غير نَكير] اهـ.

حكم اشتراط تحمل الخسارة مناصفة بين الشريكين مع الاختلاف في قدر رأس المال

أما عن اشتراط أحد الشريكين تَحَمُّلَ الخسارة مناصفةً مع اختلافهما في قدر رأس المال بينهما، فلا يصح هذا الشرط شرعًا؛ لأن الفقهاء قد اتفقوا على أن الخسارة بين الشركاء إنما تكون بقدر رأس المال، فإن تساوَوْا في رأس المال كانت المساواةُ في الخسارة، وإن زادت حصةُ أحدهما أو قَلَّت فإن خسارته تكون بقدر نسبته في رأس ماله.

قال الإمام ابن حَزْم في "مراتب الإجماع" (ص: 91، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا أن لهما أو لهم التجارة فيما أخرجوه من ذلك، وأن الربح بينهم على السواء والخسارة بينهم على السواء] اهـ، وهذا في حالة إذا تساووا في رأس المال، فحينئذ تكون المساواة في الخسارة.

وقال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (5/ 27-28): [قال: (والوضيعة على قدر المال) يعني: الخسران في الشركة على كلِّ واحد منهما بقدر ماله، فإن كان مالُهما متساويًا في القدر فالخسران بينهما نصفين، وإن كان أثلاثًا فالوضيعة أثلاثًا، لا نعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم] اهـ.

وقال الشيخ ابن القَيِّم في "إغاثة اللهفان" (2/ 20، ط. مكتبة المعارف): [والخسران على قدر المال اتفاقًا] اهـ.

ولَمَّا كان الأمر كذلك، وكان مِن المقرر شرعًا أن "تصحيح العقود واجبٌ ما أمكن"، كما في "المحيط البرهاني" للإمام برهان الدين ابن مَازَه (7/ 426، ط. دار الكتب العلمية)، فإن تصحيحَ الشراكة المذكورة أَوْلَى مِن إبطالها، وتصحيحُها يَكمُن في إبطال شرط تحمُّل الخسارة مناصفةً مع تفاوُت الشريكين في قَدْر رأس المال المقدَّم مِن كلٍّ منهما، ومِن ثَمَّ يَبطل هذا الشرطُ وتَصح المعاملةُ بتحمُّل الشريكين الخسارةَ على قدر رأسِ مالِ كلٍّ منهما، وإلا فلا تَصح.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن صورة الشركة المذكورة بين الرجلين محل السؤال جائزة شرعًا بالإجماع، إلا أنه لا يجوز فيها اشتراط تحمُّل الخسارة مناصفةً بين الشريكين؛ لأن الخسارة إنما تكون على قدر رأس المال المقدَّم مِن كلٍّ منهما، وهذا باتفاق أهل العلم، فإن صُحِّحَت المعاملة واتَّفَقَا على جَعْل الخسارة بينهما على قدر رأس المال صَحَّت الشركة، وإلا فلا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم أخذ الوكيل فرق السعر من البائع لنفسه دون علم الموكل؟ فهناك رجلٌ وكَّل صديقَه في شراء سيارةٍ مِن نوعٍ معيَّن -لخبرته في هذا المجال- بمقابلٍ معلومٍ مِن المال، فذهب هذا الصَّديق (الوكيل) إلى أحد معارِض السيارات، وبعد معاينة السيارة والاتفاق على ثمنها عاد وأخبر الرجل (الموكِّل) بما اتفق عليه مع صاحب المعرض، فوافَقَ وأعطاه ثمن السيارة ليشتريها، ولَمَّا عاد الوكيلُ إلى صاحب المعرض أَلَحَّ عليه في عمل تخفيضٍ مِن ثمنها، فوافق صاحبُ المعرض وخَصَم له مبلغًا لا بأس به مِن المتَّفَق عليه مُسبَقًا، ويسأل: هل يجوز له أَخْذُ هذا المبلغ الذي تم خصمُه بعد تَعَبٍ ومجاهَدَةٍ مع صاحب المعرض دون إخبار الموكِّل بما جَرَى؟


ما حكم بيع الذهب القديم بالجديد؟


ما حكم فتح صالة ألعاب إلكترونية (بلايستيشن أو سايبر) وبداخله ترابيزة بلياردو؟


ما حكم الاتفاق بين المعامل والأطباء على عمولات مادية؟ فأنا عضو مجلس إدارة في شركة تقدم خدمات طبية -مركز أشعة-، وحيث إن المرضى يأتون بتحويل من أطباء الجراحة والباطنة، فإن الزبون الحقيقي للمركز هو الطبيب الذي يحول المرضى، وقد ظهر في الآونة الأخيرة تعامل معظم مراكز الأشعة والتحاليل الطبية مع الأطباء بتقديم مرتبات أو عمولات أو هدايا نظير تحويل المرضى لمراكز الأشعة بالاسم؛ حيث إنه يوجد أمام الطبيب عشرات المراكز التي تقدم نفس الخدمة تقريبًا بنفس مستوى الجودة.
أرجو من فضيلتكم إفادتي إن كان هذا النوع من التعامل والاتفاق بين مراكز الأشعة والأطباء الذين يحولون المرضى مقابل عمولات مادية جائز شرعًا أو لا؟


ما حكم المشاركة في دعوات الامتناع عن التجارة في أوقات الغلاء؟ فأنا صاحب نشاط تجاري وسمعت أنَّ هناك دعوات ومبادرات لبعض أصحاب المحلات التجارية التي تبيع المواد الغذائية وكذا محلات جزارة اللحوم والطيور لغلق النشاط والامتناع عن ممارسة التجارة بسبب غلاء الأسعار مدعين أن هذا هو مصلحة الفقير، فما حكم المشاركة في تلك المبادرات؟ وما التصرف الشرعي تجاه ذلك؟


ما حكم شراء السلع المدعومة من السوق السوداء؟ وهل من يشتري منهم يكون معاونًا ومشاركًا في الإثم؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31